الجمعة، 16 أغسطس 2013

قميص يوسف الذى يردهم مبصرين..

توقفت عن الكتابة منذ بدأ العالم الذى أعرفه فى التغيير من حولى بحيث فقدت كل قدرة شهد لى أحد بها يوما فى التعبير عما يدور بداخلى.
حدث هذا فى يناير 2011 حينما بدا كل شيء أكبر من أن أعبر عنه بكلمات تصف ما يدور  ولا تكفي لشرح تعقيدات الموقف.

قررت اليوم الكتابة بأنانية مفرطة..فلا أنا محللة سياسية -بالرغم من كون السياسة هى مجال دراستي- ولا انا خبيرة استراتيجية فمصر و الحمد لله أصبح بها 80 مليون خبير استراتيجى منذ بدء الثورة.
 
أكتب فقط لأسجل خوفي..فهذا ما كنت دوما اتقن عمله..أخاف حد الجزع فابدأ فى الكتابة و عندما تبدأ أسباب خوفى فى التلاشي و أسترد شيئا من قوتى أرجع لما كتبت لأتذكر اننى كنت يوما بهذا الضعف فلا أصبح مختالة فخورة.

أما عما يخيفنى فليست حربا أهلية محتملة و مؤكدة بالكثير من الشواهد فبمجرد نزولي الشارع أشم رائحة الكراهية فى كل ما حولي.
فما يثير فزعي هو تحول هذا الشعب "المتدين بطبعه" اللى أطفاله "اذكى أطفال العالم" و كباره هم الشهامة و الوطنية و ولاد الأصول الى مسوخ بشرية تتغذى على كراهيتها للأخر حتى يقضوا على بعضهم البعض فلا يتبقى الا الأقوى الذى حتما ولا بد سيكون ديكتاتورا جديدا.

كراهية تلك المرأة التى قابلتها أول أمس فى شارع أبو قير..كنا نجرى من رائحة الغاز التى ملأت الشوارع منذ انتفض مؤيدو القوى الاسلامية رافضين المجازر التى حدثت اثناء فض اعتصامي رابعة العدوية و النهضة صباحا و التى لا يعرف حتى الان عدد ضحاياها و ان كانوا "رسميا" قد تجاوزوا ال600 قتيل و ال3000 جريح  فأخبرتنى و هى تضع القماش المبلل بالخل على أنفها أن "منهم لله الأخوان..بيضربونا بالغاز و يدونا خل عشان نهدأ!"
لم يسمح لى الوقت ولا الظرف بأن اسألها من أين للأخوان بقنابل الغاز التى "يضربونك" بها فى الوقت الذى تعمل فيه جميع القوى النظامية فى بلدك و التى تمتلك "الغاز" من جيش و شرطة و أجهزة أمنية ضدهم؟

و كراهية الزميلة "الاسلامية" لأفكارنا "الغير اسلامية" فرفضنا "للمشروع الاسلامي" الذى لم يأت للبلد الا بالخراب منذ تولى مرسيهم الحكم بأصوات أهله و عشيرته و عاصري الليمون أمثالى, مجرد هذا الرفض يجلعنا بعيدين عن الدين و "الحق" الذى يملكون هم فقط صكوكه. و بالرغم من هذا التباعد بين أفكارنا فهى اتفقت معى و أمنت بي فجأة حينما أدنت مجزرة الحرس الجمهورى التى راح بها شهداء "و هم يرفعون اصبع الشهادة" على حد تعبيرها. فموقفى الأقرب لموقفها فى هذا اليوم جعلها تتغاضى عن كونى غير محجبة - و بالتالى مش مسلمة أوى- لتشاركنى الرأى أمام باقى الزملاء الذين يتضح موقفهم -أو بالاحرى موقف الطبقة التى ينتمون اليها فى الفقرة القادمة-. الطريف اننى حينما سألتها عن موقفها من الثورة و الذى كان من السهل التكهن به أخبرتنى بأنه وقتها "الأمور ما كانتش واضحة أوى" أما عن أحداث محمد محمود "فمكنتش مصدقة ان الشرطة بتضرب الناس و تقتلهم بالبساطة دى".
و أنا للحق لا ألومها فنحن للأسف لا نشم رائحة الدم الا حينما تأتى من المعسكر الذى ننتمي له!

و كراهية مندوب الشركة البسيط الذى ما أن يأتى الى مكان عملي حتى يبدأ فى سب الأخوان و هو يعلم أنه سيجد الدعم الذى يقوى موقفه و يشعره بحنكته السياسية من باقى الموظفين و لكن ما لا يعرفه ان أسباب كراهيتهم للأخوان لا تمت بصلة لاسبابه فلانقص العيش ولا قلة الحرية ولا غياب العدالة الأجتماعية هو ما يشغلهم..فجل ما يشغلهم هو تغير نمط حياتهم الذى تعودوا عليه قبل الثورة.
فلا هم يتقدمون فى مسيراتهم المهنية نظرا "لوقف حال البلد منذ الثورة" ولا هم يشعرون بالأمان فى الشوارع ولا هم يتحركون بحرية فى سهراتهم و مصايفهم.
و هى أسباب لن أقع بأى حال من الأحوال فى خطأ التقليل منها ثانية.فأسباب كهذه كانت كفيلة بأن تنتفض طبقة من الشعب لم يهزها حكم مبارك ولا بطش أجهزته الامنية و لكن حركها حكم عام واحد من التيار الأسلامى فهبت عن بكرة أبيها "تثور" بدعم و حماية من الشرطة و "تفوض" القوات المسلحة للقضاء على خوفهم أو فلنسميه "الأرهاب" فلا أحد يحب الأعتراف بأنه خائف على الملأ.
فبالنسبة لهم حكم عسكري جديد أهون كثيرا من حكم مدنى دينى ولا سبيل هنا للحديث عن قمع المعارضين  او عنف الاجهزة الامنية  او حتى قتل الابرياء فى سجون  الحكام و معتقلاتهم..فهم لم يتعرضوا لأى منها طوال فترة حكم مبارك  و أقصى ما تعرضوا لهم هو "سحب رخصة" او مخالفة مرورية تشطب تلقائيا بمكالمة تليفون مع فلان باشا أو علان بيه فبالتالى لا يشغلهم كثيرا أن يتعرض له الأخرين طالما الدولة تكفل لهم ما يحتاجونه من الأمن ليعيشوا حياتهم اليومية فى سلام.

و أخيرا كراهية الأهل للأخوان.. فهذا الجيل الذى تخطى الخامسة و الاربعين لا يزال يرى الأمور بمنطق الجرائد الحكومية و الذى كنت أتبناه و أنا أصغر سنا قبل أن أكتشف أن الواقع أعقد كثيرا من هذه النظرة السطحية. فعلى حد فهمهم هذه جماعات محظورة تقوم بعمليات غسيل مخ لاتباعها حتى يصبح ما يقوله قوادها  قران و تصبح أفعالهم ايا كان مدى خستها هي مجرد سبل الى الفردوس الأعلى فهم يسعون لاقامة دولة الخلافة التى تمتد أسوارها خلف حدود الأوطان فهم لا ينتمون لبلادهم و لكن لكيان أكبر يبرر لهم التعاون مع حلفاؤهم من الجنسيات الأخرى للوصول لأهداف "أسمى" فى نظرهم.
 فهم يرون أن أتباع هذه الجماعات -كلهم- شباب ينتمون الى طبقات اجتماعية بسيطة تكسبهم هذه الجماعات ببعض المساعدات المادية و العينية لهم و لأسرهم فيصبح ولائهم الكامل لها و ليس لوطن أو حكومة أو أرض يعيشون عليها. ولا يفرقون فى هذا بين الأخواني  والسلفي و الجهادي فكلهم فى "الخيانة" سواء.
و اذا حدثتهم عن مهندسين و أطباء و "متعلمين" ينتمون لهذه الجماعات يكون ردهم ان هذه استثناءات و ان الحرب بالاساس هى حرب طبقية بين طبقات مطحونة جاهلة و أخرى أيسر حالاو أوفر حظا فى التعليم..و كفى

فكل هذه "الكراهات" و التى كانت مدفونة طوال 30 عاما من حكم المخلوع مبارك ظهرت فجأة على السطح حتى أصبحت رئحتها تملأ الهواء و الماء و الغلاف الجوي. بل و تبرر القتل و الدم و المذابح طالما هى فى سبيل تحقيق أهداف "وطنية" لمؤيدي العساكر و الذين يملكون الان القوة النظامية و اجهزة الدولة و الاعلام  أو "دينية" لمؤيدي الاسلاميين الذين يحظون بتأييد أعداد لا يمكن الاستهانة بها بأى حال من الأحوال.

و بين هؤلاء و هؤلاء أقف أنا و أخرون لا أعرف عددنا بالتحديد و لكن أعرف ان نسبتنا من الشعب لا تكفى لوقف الدماء. فبين المبررين للعنف و الشامتين فى القتل لا نجد لنا سبيلا.
و بين حكم الاسلاميين الذى أثبت فشلا ذريعا و الفاشية العسكرية الجديدة التى تسعى بكل ما أوتيت من قوة لاعادة الفلول الى صدارة المشهد لا نجد لنا مكانا.
فنحن الذين حملنا الهم منذ سنوات طويلة نتهم الان بأننا "أخوان" أو "خلايا نائمة" أو "خونة للجيش و الشرطة و الوطن" أو على أفضل تقدير "سذج ينقصهم الخبرة" و من يتهموننا بدأت علاقتهم بالبلد منذ ثلاث سنوات قبلها كانوا يأخذون علينا "تقل دمنا" و انشغالنا بما لا "يسلي".
يطلبون مننا ايجاد الحلول او الكف على الانتقاد..يعقدون الموقف بغبائهم و تطرفهم و عنصريتهم و يطلبون مننا نحن أن نحل أو أن نصمت.
 ينتظرون بحثنا معهم عن أصابع الجثث المتفحمة لنعرف ما اذا كانوا أخوانا أم غير أخوان, و عن أماكن رصاصات دخلت الاجسام و خرجت بالدماء و الاعضاء لنعرف هل قتلوهم أم أنفسهم يقتلون!
أصبحنا نحن حزب الكنبة الجديد الذى يلومنا هؤلاء لعدم نصرتهم بالنزول و يلومنا "الوطنيون" لعدم مساندتهم فى اراقة المزيد من الدماء ل"مصلحة" الوطن.

و بقلة خبرتى و وطنيتى المشكوك فيها و خلياتى النائمة و أنا أنتظر مع المنتظرين يوما عصيبا ثقيلا سيبدأ بعد صلاة الجمعة -أى بعد ساعة على الأكثر- أقولها للمرة الأخيرة .. التيارات الاسلامية لفظها الشارع بحسم و ما يقوم به أفرادها حو مجرد حلاوة روح فلا مكاسب سياسية محتملة تنتظرهم..فقط المزيد من الدماء. و أن أكبر خطر يواجهنا الان هو اعادة الفلول على دبابات العساكر بتأييد من جموع الشعب. و بدون قوة حقيقية تتصدى لتوغل الدولة العسكرية لا تتخذ الا حلم الثورة سبيلا و دماء الشهداء دليلا فلا سبيل لأى خروج أمن لهذا الشعب.

فهم ينتظرون المزيد من الدماء لتشفى غليلهم و تدعم ساديتهم و أنا أنتظر قميص يوسف المبلل بالدماء الذى سيلقى على وجه هذا الشعب فيأت بصيرا قبل فوات الأوان!