نقطة رجوع!
كانوا يرونها.. مختلفة
كثيرا ما اعتبرت نظرات الاندهاش و وجوه المندهشين من الاشياء المألوفة لديها
فالحواجب المرفوعة
و الافواه المفتوحة
و حركات الايدى الغير مدروسة..
ثوابت اساسية فى حياتها اليومية
مثلهم مثل قهوة الصباح و جريدتها المفضلة
فكلها اشياء تعودت عليها
حتى اصبحت كل تفصيلة منهم جزءا اساسيا من يومها
تعجبوا لاراءها..فازدادت تمسكا بها
استنكروا اهتماماتها..فلم تهتم..فهكذا خلقت و هكذا هى
حاولوا "تصليحها" ..ففشلوا..
فهى لم تكن يوما مكسورة حتى يحاولوا ترميمها
استفزت الكثيرين..و اثارت فضول البعض
و لكن احدا لم يستطع ان يدخل الى اعماقها..
فكانت خصوصيتها مقدسة..
و حريتها سورا دائما بينها و بين المتطفلين
فلم تفعل سوى ما تؤمن به
و لم تقل سوى ما تعنيه
فلسفتها ان الحياة قصيرة..
لا وقت فيها للندم على نفاق مضى او وهم قادم
كثيرون هم من نصحوها بانها بنت فى مجتمع شرقي..
مجتمع يعرف من القيود و المحظورات
اكثر مما يعرف من المسموحات
مجتمع لا يعترف بالحرية سوى لجنس واحد
مجتمع لم يقرا اعلان حقوق الانسان
الذى كفل الحرية لكل كائن حى يدعى انسان
و لكنها لم تهتم..
فحدودها هى التى تضعها
و ليس مجتمع معقد مريض وضع القهر مرادفا للانوثة
لم تكن يوما تطمح فى الاختلاف
كل ما طمحت اليه..
حياة عادية تعيشها كما تريد..و ترسم تفاصيلها كما تتمنى
كانت ترى فى صوت فيروز اكسير الحياة..
و فى برد الشتاء غذاء للروح..
و فى المطر نقاء غريبا يعوضها عن نقاء اخر كان مكانه فى القلوب
و فى لون البحر
عمقا طالما بحثت عنه فى عيون الكثيرين..
و حبيبا فى زمن لا يعرف الحب
شعارها فى الحياة ان الطموح لا سقف له..
و ان الايمان اساس الوجود..
و ان راحة البال لا تأتى الا بالبساطة و العفوية
كانت معتدة بافكارها..مستنكرة لضعف الكثيرين امام مطبات الحياة
فما مرت عليها عاصفة الا و تركتها اقوى مما كانت
و ما عرفت مصاعب الا و عبرت منها منتصرة..
او هكذا كانت تعتقد
لديها قائمة كبيرة من الاهتمامات..
اخرها ارضاء مجتمع لا يعرف الرضاء
فاصبحت نصيحتها الدائمة لصديقتها المقربة
هى ان تفعل ما تريد لا ما يريدونه هم
و لم يرضى غرورها يوما رغبة صديقتها فى حياة تشبه حياتها
فهى تشفق عليها من حياة لو كان بيدها ما اختارتها
ففى قمة شعورها بنصرها الشخصى..
فاجئتها الحياة بمطب اخر مستحيل التجاوز
فما اعتبرته بديهيا اصبحت حوله الكثير من الشكوك
لدرجة هزت ثقتها فيما اعتبرته يوما من اساسيات
فتسائلت..ماذا لو لم تعرف القيادة يوما و اكتفت بمقاعد الركاب؟
فما اصعب انهيار حياة كاملة فى لحظة يتوقف فيها الزمن
ليكشف عن تحول المقدسات الى وهم كبير لا يراه سوى صاحبه
ماتت المحاربة داخلها..فانضمت الى صفوف المستسلمين
**********
زى كل حاجة حلوة..
كانت نسمة حلوة فى حياة كل اللى حواليها.. لأ كانت احلى حاجة فى حياتهم
وجودها لوحده كان كفيل بانه يهون عليهم اى حاجة..
مهما كانت صعبة
كانوا بيستغربوا هى بتعمل ايه هنا..
اللى زيها مكانهم مش مع البنى ادمين
اسئلة كتير كانوا بيسألوها لنفسهم
هى ازاى بتاكل زينا؟
هى ازاى نقية كده؟
هى بجد؟
كانت بتبتسم دايما لما تشوف انبهار الناس بيها..
كانت عارفة اهميتها عندهم
كانوا كلهم عارفين نقطة ضعفها..
كلمة لأ مش فى قاموسها..
خصوصا قدام اللى بيحتاجولها
لكن هى كانت بالنسبالها مختلفة..
زى ما هى كمان اعتبرتها فى مكانة تانية غير كل الناس
ما كانتش عايزة منها حاجة..كانت مكتفية بانها..موجودة
"ملاكها الحارس" زى ما كانت بتسميها..
ما كانش لها طلبات فى الدنيا..كانت من النوع اللى بيدى و بس
حاجة واحدة عاشت عشانها عمرها كله
"اشوفك فى الكوشة مع واحد يستاهلك"
كانت بتزعل اوى من ردودها الطفولية على طلبها ده
و كانت بتستنكر تفكيرها و اعتراضها المستمر على الفكرة
قالتلها انها اتمنت قبل كده تعيش لحد ما تشوفها بتتخرج من المدرسة
و بعدين طمعت تشوف شهادة الجامعة فى ايديها
و بعدين اتمنت من ربنا تعيش و تشوفها بتشتغل
دلوقتى هى لسه طمعانة فى امل اخير
هيريح بالها و يطمنها عليها على حد تعبيرها
استنت اليوم ده كتير..و ما صدقتش نفسها لما لقيته قرب
صحيت الصبح اسعد من اى يوم فى حياتها..كأنه فرحها هى
باستها فى راسها و قالتلها انتى احلى عروسة فى الدنيا
قالتلها انتى عارفة انا بحبك قد ايه..و انا عارفة مكانتى عندك
اوعدينى انك مش هتزعلى انهاردة..ده اسعد يوم فى حياتك
استغربت طلبها ..هزت راسها و قالتلها اكيد
مسكت ايدها و ايده و قالتله خلى بالك منها..و ابتسمت
دوروا عليها وقت الزفة..مالقوهاش
مشيت و سابتها مع اللى تخيلت انه هيعوضها غيابها ..
**********
امرأة جميلة اخرى..
كانت بارعة الجمال
ما رأها رجل الا و خطفت قلبه
هم اللذين لم تجتمع قلوبهم على شيء من قبل
اجتمعت عيونهم على هدف واحد..
قضاء اكبر قدر من الوقت فى النظر اليها
كانت لهة "طلة" كما يقولون
فما دخلت الى مكان الا و التفتت اليها العيون وتعلقت بها الارواح..
و تحول الجميع الى مسحورين بجمال لم تراه الاعين من قبل
كثيرا منهم كان يتخيل انه من شدة جاذبيتها
سيسمع اصوات فلاشات الكاميرات عند دخولها
فنجمات السينما لا يقارن بها..
كانت كثيرا ما تختلى بنفسها
و دائما ما تخرج من خلوتها بهيئة اكثر اشراقا من هيئتها الاولى..
فلم يحتاجوا للبحث عن مبررات لاختفائها
فهى امرأة و جميلة..
مما يعنى انها تجمع كل مقومات التفاهة فى نظرهم
فهى بالتاكيد تقضى هذه الجلسات السرية
فى اصلاح هيئتها و وضع المزيد من الالوان
على وجهها المبهر ليزداد اشراقا
استراحوا لهذا التفسير كثيرا و قرروا الا يزعجوها فى خلوتها
طالما كانوا قادرين على الاستمتاع بالنظر اليها
عندما تخرج بالصورة الملائكية التى تعودوا عليها
فهى بالنسبة لهم ليست سوى امرأة جميلة اخرى..
و تخيلوا انها لا ترى نفسها الا فى هذا القالب
فالجميلات عندهم نوعان
غانيات او بائسات لا هم لهن سوى لفت انظار الرجال
و لكنها هذه المرة اخذت وقتا اكثر من المعتاد
كانت انظارهم محدقة بالباب فى انتظار قدومها كالعادة..لكنها لم تأت
تطوع احدهم بالذهاب اليها..فتح الباب و وقف مشدوها
رأى عينان تفيضان بالدموع و صوتا رقيقا يردد فى خشوع:
"طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى
تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى.."
لا عجب انها كانت تخرج بصورة احلى من التى تدخل بها
فهى كانت..تصلى
**********
"ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله و هو اعلم بمن اهتدى"