كانت فى سهرة عائلية منذ اكثر من سنتين
عندما اقتربت الساعة من العاشرة استأذنت
حتى لا تتاخر عن موعد عودتها الى منزلها
سلمت على الجميع و لم يتبق سوى صاحبة الدعوة
و التى اصرت ان تبعث معها احد اقاربها ليقلها الى سيارتها
حتى لا تمشى وحدها فى هذا الوقت المتأخر نسبيا
رفضت و اصرت على رفضها.. لكنها لم تكترث لما تقول..
و فى اقل من ثانية وجدتها و قد جاءت به اليها
اشحات بنظرها بعيدا حتى لا تظهر ارتباكها و خجلها..
فهى ليست اجتماعية بالمرة
و لمدة عشرون دقيقة
- و هى المدة التى قضياها حتى قطعا الطريق الى السيارة-
عرفت احساسا لم تعهده فى نفسها من قبل..
احساس ان تعطى حياتها لغيرها لقيادتها
و ليكون مسؤول عنها و لو لفترة مؤقتة
بعيدا عن كون هذا الشخص
من ابعد ما يكون عن الشخصية التى رسمتها لفتى احلامها
فهو لا يمت بصلة لتلك الشخصية التى لا مكان لها سوى فى خيالها
و حتى اخراجها فى صورة كلمات على ورق
امرا فى غاية الصعوبة بالنسبة لها
لكنها لم تكترث للشخص فى حد ذاته..
فقط تعجبت لهذا الموقف الصغير الذى تخلت فيه عن مقعد القائد
فهى لم تعطى دفة حياتها لغيرها من قبل..
و بالرغم من ذلك احبت هذا الاحساس المؤقت بالراحة
و اكد لها الموقف ان معضلتها الكبرى ليست فى التخلى عن القيادة..
و لكن فى اعطائها لمن يستحق..
فقررت انها ستظل ملكها وحدها الى الابد..
================================
كانت معه فى اخر ايام مرضه..تحدثه بما يمليه عليها عقلها الصغير
حيث لم تكن قد اكملت الخامسة عشرة بعد..
توجهت الى باب غرفته فالموقف اكبر من احتمالها..
لطالما كان قويا فى نظرها و فى نظر الجميع
مرت فى ذهنها ذكريات كثيرة جمعتهما سويا..
اهمها عندما كانت تجلس معه فى قهوة"التريانون"
القريبة من محطة الرمل بالاسكندرية
و كانت تراهم و هم يتعرفون عليه
بدئا بسائق الترام مرورا بالبائعين الجائلين و انتهاء برواد القهوة
كان ينظر اليها ضاحكا و هو يقول:"عشان تعرفى انى شخصية مهمة"
كانت تحاول اخفاء انبهارها به و لكنها فشلت..
فكانت تحسب يوميا عدد"المعجبين" كما كانت تسميهم
و كانت تكتب ارقامهم فى ورقة صغيرة
حتى تبلغه بعددهم النهائى فى اخر المصيف..
و قبل ان تفتح الباب وجدته يقول اسمها فالتفتت اليه
قال بصوت ضعيف:"تعرفى انى بحبك اوى اوى اوى"
و لمن يعرفه يعرف كم تكون كلمة"اوى" قوية كأنها تخرج من اعماق قلبه
كعادتها لم تجيب..و لكنها قالت فى نفسها "و انا كمان..اوى"
ركضت الى حجرتها
و لم تعرف بالتحديد كم من الوقت مر عليها وهى تبكى.
فهى كانت تعرف تماما ان ما تبقى له من الوقت ليس بالكثير..و قد كان.
و كم تمنت لو ان القدر امهلها الفرصة
لتقول له كم كانت تحبه و كم كان يعنى لها الكثير
لكنها تعرف انها لو عاد بها الزمن لما فعلت غير ما فعلت وقتها..
فهكذا خلقت ..و هكذا هى
================================
فى يوم من ايام الصيف..كانت تجلس معها وحدها فى حجرتها
انشغلت بما تفعله على اللاب توب و وجدت صوتها الواهن يوقظها من شرودها
و قد هالها ما سمعت حيث قالت لها بالحرف:
"لا اريدك ان تقلقى نهائيا مما سأقوله الان..
ساجهز حقيبتى و اتصل بالسائق ليقلنى الى القاهرة
فأناٍ اشعر بألم غريب و احتاج ان اراجع اطبائى"
ليست ممن يهربون من الواقع
و لكن من شدة خوفها و ارتباكها استمرت فيما تفعل
كانها ارادت ان تثبت لنفسها ان ما سمعته هو مجرد هلاوس لا تمت للواقع بصلة
لكنها اعادت عليها نفس الجملة مرة اخرى
فقامت مفزوعة تبحث عمن يساعدها فى تجهيز حقيبتها لتسافر معها
و استمرت هى فى طمأنتها..
فكانت تنظر اليها من حين الى اخر
و هى تبتسم ابتسامة ملائكية
لم يتمكن ضعف المرض من ابعاد هذه الصفة عنها
و قالت لها نفس الجملة اكثر من مرة "ما تخافيش مش انهاردة"
و نظرا لأنها تعانى من صعوبة بالغة فى اظهار مشاعرها..
فكانت تكتفى بمبادلتها الابتسام
و لكنها كانت تقول بينها و بين نفسها "ولا اي يوم..ارجوكى"
فكم كانت موهوبة فى استخلاص نتائج غير عادية من مواقف عادية
و كم كان الغباء الانسانى ملازما لها فى اوقات كثيرة..
فكانت ايضا خبيرة فى تضييع الفرص..
هناك 6 تعليقات:
انا مش هاتكلم عن روعة الكلمات وجمال الصياغه والأفكار
انا بس ليا سؤال
هيا المواقف دى حقيقيه ولا من خيالك؟؟
بما أنى واد جامد أخر حاجة ..
و بفهمها و هيا طايرة ..
أحب أقولك أنى فهمت أخر موقفين بس :D
مش بقولك .. أنا جامد مولا :D
blue wave
اولا ميرسى بجد على ذوقك و كلامك
بالنسبة لسؤالك مممممم..ممكن تقول من ده على ده :)
محمد
هههههههه ماشى يا عم الجامد اخر حاجة
مع ان الاولانى المفروض انه اسهل واحد فيهم بس بما انك تختلف عن الاخرين فلازم تمشى بالعكس :D
انا بقول تاخد الباسوورد بتاع البلوج و تكمل انت بما انك عارف كل حاجة كده D:
صديقتى العزيزة عندما نجد انفسنا داخل موقف لا نستطيع السيطرة عليه فانه ليس امامنا سوى ان نكون مسيرين لذلك نترك دفة القيادة لشخص ما حتى وان كان مجهول لنا
الموقف التانى اول ما شوفت مقهى تريانون تنهدت اوى وقولت الله هو انتى كنتى معانا
:)
محبتى ليكى يا جميلة
تعرفى..على قد ما حبيت الاحساس ده على قد ما فضلت حتة فى دماغى بتشتغل و تقولى انى استحالة اقدر استسلم للحالة دى لمدة طويلة..ما اتعودتش على كده و مش هعرف اعمل لحد المكان ده فى حياتى
ضحكيتينى على التريانون ده انا كل ما اقول اسمه لحد مش اسكندرانى يتريق عليا عشان المكان قديم..كانت ايام حلوة والله:)
إرسال تعليق